أسامة خليل: لماذا تكره الدولة العميقة الزمالك وتعشق الأهلى
25 فبراير 2020 الساعة 3:30 مساء
لم أفهم معنى مصطلح «الدولة العميقة» الذي ظل الإعلام يتداوله طوال السنوات العشر الأخيرة التي أعقبت ثورة يناير حتى تجسد أمامي، وظهر بوجهه القبيح، وتحدث إلينا في الإعلام، وفرض نفسه متجاوزًا حقائق وثوابت وإنجازات ترفع صاحبها إلى السحاب، وتضعه في مصاف الأبطال الخارقين أو على أقل تقدير الأبطال، مجرد أبطال.فمصر -أو بالأدق الدولة العميقة- التي عاشت سنوات طويلة على أن هناك بطلا وحيدًا لا يجرؤ أحد على منافسته، ويعذب ويسحق ويشهر بأي مسئول أو إعلامي أو صحفي ينتقده أو يلقي كلمة تفتح ثقبًا في جدار الحماية الذي تصونه وتذود عنه في الحق والباطل، فهو يفعل ولا يفعل به، يضرب ولا يضرب، يهين ولا يهان، يرتكب الخطأ؛ فيصير هو القاعدة، يفوز ببطولة؛ فتقام له الأفراح والليالي الملاح، بينما يحقق غيره نفس ما يحققه؛ فتتحول مصر إلى مأتم وجنازة للندب ولطم الخدود على خسارة البطل.إنني هنا أتحدث عن الدولة العميقة التي جعلت الأهلي هو البطل الأوحد، وتأبى أن تحتفل بغيره حتى ولو تفوق عليه وتجاوز بطولاته وألقابه، أحدثكم عن فريق الزمالك الذي حقق إنجازًا يقترب من الإعجاز في ظل الظروف والحروب والسيوف والبنادق والمدافع الموجهة له، والمشككة في قدراته، والمحبطة لطموحاته، والقاتلة لأحلامه، فريق يفوز بكأس السوبر الإفريقي، ويتوج بطلا لأبطال القارة الإفريقية، وهو الذي حطمت أعصابه، واغتصب الإعلام مواهبه، وأهين بالقول إنه حصالة مجموعته في الكونفيدرالية، ولكن بروح الأبطال وعزيمة الرجال والمواهب المخلصة حقق الزمالك ما لم تتوقعه الدولة العميقة، وفاز بالكونفيدرالية، بينما بطل الدولة العميقة يخسر بالخمسة، ويخرج حاملا الخزي والعار من بطولة الأندية أبطال إفريقيا، ولا أحد يلومه أو ينتقده، ويطير الزمالك إلى قطر ليلعب السوبر وسط أجواء متوترة ومشحونة، وتوقعات بخسارة فاضحة من بطل إفريقيا لعامين متتاليين؛ فيعود بالسوبر عن جدارة واستحقاق، وتقف إفريقيا له احترامًا وتقديرًا، ولكن هذا لم يقنع الدولة العميقة التي لم يفرح إعلامها بما حققه فريق مصري له جمهور عريض وكبير لا يقل عن جمهور فريق الدولة العميقة، وتبدأ حملة التشكيك في قدرة لاعبيه على الصمود أمام بطل الدولة العميقة الأهلي بطل مصر، الذي يتقدم في الدوري المحلي بسرعة الصاروخ، وهو القطار الذي سيدهس الزمالك في السوبر المحلي، ويقضي على فرحته بالسوبر الإفريقي؛ لينسى الناس أن هناك بطلا آخر غير البطل المقرر على الدولة، ويسافر الزمالك إلى الإمارات دون راحة لتأتي الريح بما لا تشتهي الدولة العميقة، ويفوز الزمالك بالسوبر المحلي ليتوج بطلا لأبطال مصر بعد ستة أيام فقط من فوزه بالسوبر الإفريقي.الآن، تستطيع جماهير الزمالك أن ترفع رأسها بعد أن حولت رقم (6) إلى رقم بطولة وإنجاز وانتصار وإعجاز سيذكره التاريخ بعد أن كان هو رقم العقدة والهزيمة والانكسار.ولكن الدولة العميقة والإعلام الذي تربى سنوات في حضنها لا يريد أن يعترف، وأبى أن يحتفل ببطولات النادي الأبيض؛ ليحول أنظار الناس عن الإنجاز للحديث عن معركة وقعت بعد المباراة، وبالمناسبة هي معركة سبق أن حدثت عشرات المرات، ولكن هذه المرة يجب أن تكون هي البطل والموضوع والقصة والحكاية والرواية، و"الفتة" التي يقدمها الإعلام ليأكلها جمهور التوك شو والبرامج الرياضية، وننسى الكرة والبطولات والإنجازات، ويساعدهم في ذلك اتحاد كرة جاهل بشئون اللعبة والإدارة، ويسخر رئيسه -الزملكاوي- أدواته وقراراته للانتقام من رئيس الزمالك على خلفية صراع قديم بينهما.وهنا أريد أن أذكر لكم بعضًا من ملاحظاتي على هذا المشهد العبثي:أولا: إصرار اتحاد الكرة على إقامة مباراة القمة في الدوري قبل أربعة أيام من مباراة الزمالك والترجي في بطولة إفريقيا؛ نزولا على رغبة الأهلي هو نوع من الإعلان الواضح والصريح على إيقاف مسيرة الزمالك، وتقليل فرصه في مواصلة مشواره في البطولة إفريقيا، فبأي عقل أو منطق أن فريقا يلعب سوبر إفريقيا (أربع رحلات طيران)، وبعدها بستة أيام يلعب السوبر المحلي (رحلتي طيران)، وبعدها بأربعة أيام يلعب مباراة القمة أمام بطل الدولة العميقة التي تقف على قدميها لتحقيق الانتقام، وإنهاء فرحة الزملكاوية، ثم بعدها بأربعة أيام يلعب أمام الترجي في دور الثمانية للبطولة الإفريقية، وهو الآخر يريد الانتقام لخسارته السوبر الإفريقي، أي نوع من اللاعبين الذي يتحمل هذا العبء النفسي والعصبي والبدني، لو فريق ليفربول نفسه وضعته تحت هذا الضغط لن يتحمل، ولكنها إرادة الدولة العميقة.من الواضح أن الانتقام الأعمى سيضر الجميع، ومنهم الأهلي الذي يجب أن يحصل لاعبوه على راحة نفسية ومعنوية وبدنية كافية؛ لأن أمامهم مهمة صعبة وحملا نفسيا ثقيلا، حيث يلتقي مع صن داونز بعد خمسة أيام من لقاء القمة، والمباراة هي الأخرى بطولة خاصة للأهلي الذي أهدرت هيبته الكروية الإفريقية على يد هذا الفريق الموسم الماضي عندما خسر أمامه بالخمسة.ثانيًا: فيما يخص العقوبات، فهي ليست عادلة، حيث أسقط منها بادجي مهاجم الأهلي (المتواضع المستوى)، ووليد سليمان، الذي وقع على الأرض خلال اشتباكه مع إداري الزمالك، في نفس الوقت طالما تم معاقبة عبدالله جمعه؛ لأنه توجه لجمهور الأهلي وأشار على علامة الزمالك بثلاث مباريات، ففي نفس الوقت يجب معاقبة أجاي بنفس العقوبة؛ لأنه ارتكب نفس الخطأ، وليس مباراتين فقط كما فعلت لجنة الانضباط.أما فيما يخص شيكابلا، الذي ارتكب فعلا فاحشًا فعله رونالدو من قبل في مباراة فريقه أمام أتليتكو مدريد ببطولة أوروبا وعاقبه الاتحاد الأوروبي وقتها بغرامة 22 ألف يورو، فهذا ليس مبررًا لمسامحته على هذا الفعل الفاضح، ولكن أما وأن لجنة الانضباط قد خففت عقوبته؛ مراعاة للضغط النفسي والعصبي الذي تعرض له من هتافات جماهير الأهلي، وهي بالمناسبة كانت هتافات مهينة وقذرة جدًّا، وبعضها كان عنصريًّا لبشرته السمراء، فإن العقوبة التي وقعت على جماهير الأهلي تعد مخففة جدًّا، لو ذهب اللاعب للمحكمة الرياضية، سيعاقب الأهلي عقوبات قاسية، حيث إن الدولة العميقة لا تستطيع أن تحميه؛ لأنهم يضعون الهتافات العنصرية ضمن الجرائم الكبرى.ثالثًا: لا شك أن ظهور قناة الزمالك بهذا الشكل المبهر الذي تستحق عليه بريزينتيشن التحية بعد أن تحررت من تقليدية ومحدودية خيال ومحسوبية محمد كامل، رئيسها السابق الذي يتولى الآن إدارة قناة الأهلي، لا شك أن القناة لها دور كبير في تحقيق هذه البطولات، حيث تأكد المشككون أو المترددون أن جماهير الزمالك كبيرة وعظيمة ومنتشرة في أرجاء مصر والوطن العربي، وأنهم لو توحدوا لزلزلت الأرض من تحت أقدامهم، وأنها باتت صوتا وصورة على تاريخ الزمالك ونجومه العظام وبطولاته المنسية ومبارياته الكبيرة وألقابه.في المقابل، فإن قناة الأهلي فقدت بريقها عندما سيطر التعصب على مقدميها، وأغلب البرامج خصصت للرد على الانتقادات والهجوم على المنافس، وتحول أدمن صفحات السوشيال ميديا إلى مقدمي برامج ومعدين، أما برنامج "ملك وكتابة"، الذي كان فاكهة القناة قبل سنوات، فهو يتعامل الآن مع الجمهور باعتبارهم معاقين ذهنيًّا أو مجموعة من المغيبين عقليًّا.وحتى تتأكدوا كيف تحولت القناة إلى جثة هامدة، شاهدوا ماذا فعلت بعد مباراة السوبر، حيث عرضت مباراة قديمة لكرة الطائرة سيدات بين الأهلي وسبورتنج.رابعًا: المعالجة الإنسانية الراقية التي قدمها الزمالك وقناته عن الطفل أدهم، الذي مات وهو في طريقه لتشجيع الزمالك في مباراة السوبر قبل الأخيرة، وكيف كرمه النادي، وتصدرت صورته غرفة خلع ملابس اللاعبين؛ ليعلم اللاعبون أن هناك من يحب ناديهم إلى درجة التضحية بروحه.أو الموقف الإنساني العظيم والرائع والمحزن المبكي لناشئ الزمالك السابق سعد محمد، الذي أصيب بالسرطان في الدم، واستضافته القناة، والقصة الإنسانية التي أبكتني وهو يحكي كيف أخفى مرضه عن الجهاز الفني؛ حتى لا يفقد مكانه في الفريق، ربما يشفى قبل أن يعلموا، وكيف يرفض والده عزيز النفس وهو الآخر يجري حب الزمالك في دمه، أن يتاجر بمرض ابنه ويرفض المساعدة قابلا بقضاء الله وقدره، ثم يكون المشهد العبقري الذي أقبل رأس كل من شارك فيه عندما وجدنا "سعد" يصعد إلى منصة التتويج مع شيكابلا يتسلم كأس السوبر أمام الملايين؛ ليبقى هذا المشهد محفورًا في الذاكرة، كيف أن الزمالك لا يلقي بلاعبيه (قارن ما عاناه مؤمن زكريا، وهو نجم النجوم، مع إدارة الخطيب لعلاجه).هذه المواقف الإنسانية التي تحسب لإدارة الزمالك ورئيسه كانت محفزا للاعبين كي يقاتلوا في الملعب، وكيف لا يفعلون ذلك وهناك جمهور يهيم عشقًا وحبًّا في ناديهم وفي نجومه وأن إدارته لا تلقي بلاعبيها وجمهورها في الشارع.وهنا أريد أن أذكر ملاحظة عسى أن تستفيد منها إدارة الخطيب، فالأهلي منساق خلف الألتراس ورغبتهم وجمهور السوشيال ميديا الوهمي، بينما على العكس رئيس الزمالك يقف معاديًا لتصرفات هذه الجماعة المتعصبة، ويهاجمهم بعنف إلا أنه في النهاية كسب معركة الجمهور لصالحه بهذه المواقف الإنسانية وبظهور قناة عززت الانتماء عند الجماهير.خامسا: مشكلة إدارة الأهلي أنها تريد أن تحصل على كل شيء دون أن تفعل شيئا، إدارة لا تقدم شيئًا سوى أن تصدر بيانات وتتراجع عنها، وتتحدث عن إنجازات ولا تحققها، وتنسب لنفسها بطولات وإنجازات لم تفعلها، ففريق الكرة لم يتقدم خطوة منذ مجلس الإدارة السابق، بل العكس تراجع خطوات، وبعد أن كان يخرج من بطولة إفريقيا في النهائي، يخرج من نصفها بالخزي، ويتعاقد مع لاعبين أجانب دون المستوى، ثم فعل الخطأ الأكبر عندما تعاقد مع كهربا بعد أن حرضه على فريقه، وأدار عملية خطف مسخة دفع ثمنها غاليًا أمام الملايين، ماذا ننتظر من مجلس يسرق مجهود غيره وينسب لنفسه إنجازًا ليس له فيه ناقة ولا جمل؟ عندما وضع حجر الأساس لفرع التجمع الخامس الذي سبق أن اشتراه المجلس السابق، ونفذ رسوماته ووضع محمود طاهر حجر أساسه، ولكنه الوهم الذي يريد أن يبيعه للناس، فهل مجلس بهذا العجز والفشل وقلة الحيلة وسرقة مجهود الآخرين يمكن أن يحقق إنجازًا؟! في المقابل، المجلس المنافس يعمل ليل نهار، ويسوق لجماهيره إنجازات وبطولات وإنشاءات حقيقية، وختمها بقناة تليفزيونية.سادسًا: من مميزات الدولة العميقة أنها تحمي المسيء طالما من أبنائها ورعاياها، وتفضح الآخر، وتشهر به وتشيطنه فهي لا تعدل في التعامل، فمثلا لا تسمع حديثًا في الوسط الرياضي عن رئيس الزمالك سوى أنه سليط اللسان، ومصدر للمشاكل وأوصاف كثيرة لأفعاله المشينة، في المقابل عندما يرتكب منافسه أفعالا مشينة، ولكن من نوع آخر مثل قبول تبرعات مالية من مسئول سعودي قبل الانتخابات مقابل رئاسة الأهلي الشرفية، أو قبول ساعات روليكس يقدر ثمنها بالملايين، وهي جريمة بشعة في حق الأهلي وتاريخه، لكن لأنه من رعايا الدولة العميقة لا تجد من يذكرها أو يتهم رئيس الأهلي بالفعل المسيء بل الكل يغطي عليها.وفي النهاية سيأتي السؤال: لماذا الأهلي هو بطل الدولة العميقة؟ وهل صنعته الألقاب والبطولات؟ أم هناك عوامل أخرى صنعت وجوده داخلها؟الإجابة، البطولات والألقاب تصنع تاريخ الفرق والأندية الكبيرة، ولكنها لا تكون سببًا في قتل طموحات الفرق الأخرى، وإخفاء إنجازاتها، والتقليل أو تجاهل بطولاتها.الأهلي دخل دائرة الدولة العميقة، واعتبر جزءًا من مؤسساتها مع وكالة الأهرام للإعلان، وبالتحديد مع حسن حمدي، الذي كان يدير الأهلي والوكالة معًا،ودور الوكالة هنا كان أمرين، الأول: تسويق الأهلي مع المعلنين وزيادة حصته الإعلانية بشكل لا يتسق مع حجم جماهيره إلى جماهير الفرق المنافسة، وبالأخص الزمالك، وبالتالي توفير مصدر مالي ضخم للأهلي ومحدود للأندية الأخرى.الأمر الثاني: تطويع الإعلام وكبار المسئولين والمؤسسات لخدمة الأهلي، وهنا أحيلكم لكشف الهدايا التي كانت تخرج من ميزانية مؤسسة الأهرام والوكالة لهذه الهيئات والشخصيات.وهنا سأحكي لكم قصتين حقيقيتين:القصة الأولى وقعت -على ما أظن- عام 2008، كنت في زيارة مريض لعضو مجلس إدارة نادي الزمالك، أصيب بكسر في قدمه وفاجأني بقوله: أنا السنة دي حطلب من رئيس وكالة الأهرام يجيب لي هدية شاشة 48 بوصة، وحينها كانت هذه الشاشات تقدر بعشرات الألوف.تخيلوا، عضو مجلس الزمالك ينتظر هدية من مسئول الأهلي، وللتاريخ فإن الوحيد الذي رفض هذه الهدايا كان مرتضى منصور، وأعادها لحسن حمدي.القصة الثانية: كان بطلها العظيم الرائع المحترم الذي لن يجود الزمان بمثل أخلاقه وحسن إدارته، أبي الروحي اللواء حرب الدهشوري، وكان وقتها رئيسًا لاتحاد الكرة، حيث أرسلت له وكالة الأهرام هدية من ألماظ قدر ثمنها وقتها بما يزيد على 40 ألف جنيه، وكنت وقتها إلى جواره، حيث أبهرته الهدية، ولكنها لم تغرهِ في التنازل عن قيمه ومبادئه، وقرر أن يعيدها، وكان معنا وقتها شخص قريب الصلة من رئيس الوكالة، وعارض حرب معارضة شديدة، وقال له بالحرف: لو إنت مش عايزها أخدها أنا، هو حد دفع حاجة من جيبه؟ ده هدية مقابل تعاقدنا من الوكالة، ولكن المحترم العزيز الغالي على نفسي وقلبي أصر أن يعيدها، حيث قام بتسليمها لمدرب أحد المنتخبات يعمل في الوقت بالوكالة بعد أن وقع على تعهد بإعادتها للوكالة.في هذا الوقت تحديدًا، استطاع حسن حمدي تحويل الأهلي من نادي بطولات إلى نادي دولة، هناك من يدافع عنه ويحمي مصالحه في المؤسسة الرئاسية والأمنية والحكومية، وبين الاتحادات واللجنة الأولمبية، ولو تتذكرون وقتها رفع شعار "الأهلي فوق الجميعا"، ولهذا قصة أخرى سأحكيها فيما بعد.
بقلم: اسامة خليل
المصدر: التحرير